05 - 06 - 2025

ضوء | مناسبات (1)

ضوء | مناسبات (1)

غالبًا تجتمع كثير من المناسبات الجميلة في شهر واحد، رمضان الكريم، ومعه القرقاعون وليلة القدر، ويتزامن معه أحيانًا ميلاد السيد المسيح ورأس السنة الميلادية الجديدة، وتجتمع كلها في شهر واحد. لكن تعالوا معي وأمعنوا النظر في المناسبات التي تخص أغلب العرب وكافة المسلمين، وقارنوا بينها وبين المناسبات التي تخص المسيحيين، في الشكل، والمضمون، والممارسات، والسلوكيات.

تمر مناسباتهم حاملة الروح الإنسانية بكل ما فيها من مشاعر وأحاسيس جميلة، يلفها فرح غامر. في رأس السنة الميلادية كثير من المسيحيين يذهبون إلى الكنيسة، يرفعون صلاتهم للرب الواحد العظيم لمدة ساعة فقط، ثم ينتشرون في كل الأماكن ليصطادوا لحظات الفرح والسعادة، وليقبضوا على الحياة ويتمسكوا بها بكل حب وقوة. ثم تعالوا إلى عيد ميلاد المسيح، طقوس كثيرة يمارسونها من زيارات للأهل والأصدقاء، وإعداد الطعام الخاص، والهدايا الخاصة، وشجرة الميلاد، وغيرها. ثم تعالوا إلى كل القنوات الفضائية الأجنبية التي نراها ونستقبلها يوميًّا، كيف تغطي هذه المناسبات وكيف تحتفل بها؟ جميعها تعرض برامجًا خاصة بهذه المناسبات من أفلام، ومسلسلات، وأفلام كارتون، ويتم التركيز في هذه البرامج على الجوانب الإنسانية، والاجتماعية، والثقافية، والنفسية، لا على الجوانب الدينية، مع أنها مناسبات تخص الديانة السماوية المسيحية.

ويشعر المرء عند مشاهدة هذه الأفلام والبرامج، أنها تحبب الأطفال والكبار في هذه المناسبات، وتضفي عليها الروح الإنسانية التي تفهم الدين على أساس ترسيخ الحب، والخير، والسلام بين أفراد الأسرة والمجتمع والبشرية جمعاء.

ثم تعالوا وقارنوا بين سلوكنا نحن العرب والمسلمين في مناسباتنا ماذا نفعل؟

تمر مناسباتنا الجميلة التي من المفترض أن تكون مفرحة برتابة بالغة، بل أحيانًا بحزن وكآبة، لتأخذ طابعًا دينيًّا شكليًّا، يغلب عليه إلقاء الخطب والمواعظ والأدعية التي حفظناها عن ظهر قلب وعرفناها منذ الصغر.

شهر رمضان.. مثلًا، يتحول من شهر للفرح، والتجمع العائلي، وفعل الخير، والامتناع عن الشر، والنهي عن عمل المنكرات المتمثلة في الكذب، والسرقة، والقتل، والحرب، والصوم الجسدي والروحي.. يتحول إلى شهر الكسل، والأكل، والسهر، والإسراف، ونتمسك بالجانب الشكلي للعبادات فقط، لنؤدي الصلاة والصيام فيه على أتم وجه، ونبتعد تمامًا عن الجانب الجوهري الحقيقي فيها، يكفي الإسراف والاستهلاك اللا محدود وحده في هذا الشهر، الذي يبعدنا تمامًا عن جوهر وهدف أداء هذه الفريضة العظيمة، حتى لدرجة أننا تحاشيًا لوجع القلب من رؤية منظر رمي كميات كبيرة من الغذاء في القمامة، عممنا على الأهل والأصدقاء، بأن من يود أن يرسل إلينا أطباقًا رمضانية يخبرنا مسبقًا، ليوفر علينا عملية إعداد الأطباق والأصناف نفسها. إنه إسراف في الجهد، والغذاء، والكهرباء، والماء، والغذاء، والمال لا حدود له.

المناسبة الشعبية الجميلة الوحيدة في رمضان، والتي نشعر بفرحة الطفل وبهجته فيها، هي القرقاعون، أما غيرها من مناسبات فتتحول إلى شكليات باردة لا روح فيها، مثلًا مناسبة مثل ليلة القدر، ألا يمكننا أن نحتفل بهذه الليلة الجليلة بطريقة خاصة؟ نفترض فيها أن هذه الليلة تصادف السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك في كل عام، لنواصل رؤية الخط الأبيض بالخط الأسود، ونسهر حتى الصباح، لا بقراءة التواشيح فقط، بل يمكن الاحتفال بليلة القدر بتجمع الناس في الشواطئ والحدائق خارج بيوتهم، ليغلب عليها روح الفرح والبهجة، التي تتنزل الملائكة والروح فيها، لكي نحبب أطفالنا وشبابنا وأجيالنا في هذه المناسبات، ونضفي عليها الروح النابضة المفعمة بالحياة.
-------------------------------
بقلم: د. أنيسة فخرو
* سفيرة السلام والنوايا الحسنة
المنظمة الاوروبية للتنمية والسلام


مقالات اخرى للكاتب

ضوء | مناسبات (2)